مشكلة الطلاق بفضيحة

مثلما يوجد أزواجٌ أوفياء أتقياء يحفظون معروف وجميل زوجاتهم، ويراعون الله فيهن، لا يَفجُرون عند خصامهن ولا يصفونهن بما ليس فيهن أو يفضحونهن - إذا ما بدر منهن سوء أو ارتكبن ذنبا، ولا يسلبون ويأكلون حقوقهن عند تطليقهن، يوجد أيضًا في زماننا هذا من الأزواج من هم ذوو ذمم وضمائر خَرِبة وقلوب أشد قسوة من الحجر، ونفوس مريضة خسيسة تتخذ من الغدر والنَذالة والظلم سبيلًا للتعامل مع رفيقات العمر وأمهات أبنائهم - إذا ما حدث خلافٌ لأي سبب تم على أثره الطلاق!.. إذ تحفل ساحات المحاكم وأروقة القضاء بالعديد والعديد من القضايا الأسرية المتمثلة في تعنت بعض الأزواج وامتناعهم عن دفع النفقة، إلى جانب سب وقذف البعض لزوجاتهم والتشهير بهن والخوض في أعراضهن من باب وقف الحال وتلويث السمعة كي لا يستطعن بعد ذلك مواجهة المجتمع ومواصلة مشوار حياتهن مع أزواج آخرين، فضلًا عن تلفيق آخرين قضايا وجرائم لزوجاتهم لم يرتكبنها أصلًا بدافع الانتقام والثأر أيضًا!..غير عابئين بخطورة ما يصنعون ويدبرون من مكائد وأباطيل على الأبناء الذين يصابون بكثير من العُقَد والأمراض النفسية والصحية، كما يعجزون عن التكيف والتواصل مع المجتمع بشكل سوي لشعورهم الدائم بالنقص والخزي والعار في بعض الأحيان!..

فمِن الناس من ينظرون إليهم بشفقة وعطف شديد، مُصِرّين على تذكيرهم دومًا بالأذى الذي لحق بهم، وبالبلاء الذي أصابهم ويعانون ويلاته على كافة المستويات.

ومنهم من يزدريهم ويؤذيهم بألفاظ وعبارات جارحة ونظرات قاسية وحادة طول الوقت وكأنهم يعاقبونهم لا لشيء إلا لكونهم أبناء هذه الأم أو ذاك الأب!..

فالطلاق بفضيحة لم يعد أمرًا غريبًا وعجيبًا كما كان من قبل، خاصة وأنه تفشى في كثير من مجتمعاتنا العربية التي ينعدم لدى أفرادها الوازع الديني وتقوى الله والخوف من عقابه في الدنيا والآخرة، والذين لا يأبهون بما جاء بالقرآن والسنة من أحكام وتعاليم سامية تسمو بمن يتدبرها ويطبقها في حياته خير تطبيق، وتهديه إلى الخير وإلى كل ما يصلح دنياه وآخرته، كما يفتقدون أبسط أبجديات الثقافة الحياتية والزوجية والتعامل مع معطيات الأمور المختلفة بشكل منضبط لا ضرر فيه ولا ضرار..

قال تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا آيات الله هزوًا، واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به، واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم} البقرة- 231.

إذن، الإسلام يحفظ الحقوق والكرامات ويراعي جميع الحالات الواقعية التي يواجهها الناس، ويراعي مشاعر القلوب الجادة التي لا حيلة للإنسان فيها، ولا يرغم الزوجة على حياة تنفر منها، وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ما أنفق بلا ذنب جناه.

يعتبر الطلاق العلاج الأخير لعلة لا يجدي فيها سواه.. فإذا وقعت الطلقتان، فإما إمساك للزوجة بالمعروف، واستكمال الحياة برضا من الطرفين، وإما تسريح لها بإحسان لا عنت فيه ولا إيذاء، وهو الطلقة الثالثة التي تمضي بعدها الزوجة إلى خط جديد في الحياة، وهذا هو التشريع الواقعي الذي يواجه الحالات الواقعة بالحلول العملية، فلا يهملها حيث لا ينفع الإهمال، ولا يحل للرجل أن يستر شيئًا من الصداق أو يمتنع عن دفع النفقة لها ولأبنائها لإذلالها وعقابها - إذا لم تصلح حياته معها، ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته لسبب يخص مشاعرها الشخصية، وتحس أن كراهيتها له أو نفورها منه سيؤدي بها إلى الخروج عن حدود الله في حسن العشرة أو العفة أو الأدب، فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه، وأن تعوضه عن تحطيم عش الزوجية بلا سبب متعمد منه، برد الصداق الذي أمهرها إياه، أو بنفقاته عليها كلها او بعضها، لتعصم نفسها من معصية الله وتعدي حدوده، وحتى لا تظلم نفسها وغيرها في هذه الحال.

اللهم احفظ بيوت العرب والمسلمين من الخراب والدمار وأَلِّف بين قلوب الأزواج والزوجات وأصلح ذات بينهم واكفِهم شر أنفسهم وشر من يفرقون بينهم من شياطين الإنس والجِن، وألهِمْ كل زوجة مظلومة ومفترى عليها الصبر والسلوان والقدرة على مكابدة ضغوط الحياة وتحمل ما لحق بها من ابتلاءات وأضرار، إنك ولي ذلك ومولاه.

كيفية بناء دولة ايلامية عصرية


لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو الناس لعبادة الله وحده لا شريك له، وقد تحمل في سبيل ذلك أذى كثيرًا من كفار مكة، ولم يؤمن بدعوته أكثر أهل مكة، حتى أذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة، فوجد أهلها ينتظرونه خير انتظار، ويتشوقون إلى لقائه -وحُقَّ لهم ذلك رضي الله عنهم-.

إلا إنه قد كان من بين هؤلاء الناس رجل ينتظر لقاء النبي صلى الله عليه وسلم ليرى وجهه ويسمع كلامه؛ حتى يعلم هل هو صادقٌ في دعواه (النبوة) أم لا؟ هذا الرجل هو أحد علماء اليهود، بل هو أفضلهم بشهادة اليهود أنفسهم، الذين قالوا عنه قبل أن يعلموا بإسلامه: "خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا". فلما علموا بإسلامه قالوا: "شرُّنا وابن شرنا"، وتنقَّصوه! هذا الرجل هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه..

جاء ليرى النبي صلى الله عليه وسلم ويسمع كلامه! فما الذي رأى؟ وما الذي سمع؟

هذا ما سيحدثنا عنه عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فلنترك له الحديث؛ يقول -رضي الله عنه-: "لما قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه[1]، وقيل: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفتُ أن وجهه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أنْ قال: "يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلُّوا والناس نيام، تدخلون الجنة بسلام"[2].

لقد عَلِمَ عبد الله بن سلام صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط برؤية وجهه الشريف -بأبي هو وأمي- قبل أن يسمع منه ولو كلمة واحدة! وهذا شأن من يبحث عن الحق, يهتدي إليه برحمة الله بأقصر الطرق، وأمَّا من لم يرد الحق فلو أتيته بقراب الأرض حججًا وبينات لن يهتدي أبدًا!!

ونحن سوف نتوقف مع أولى كلمات النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة لتأسيس الدولة المسلمة، فإن الإنسان ليتعجب من قلة عدد هذه الكلمات، وكذلك من بساطتها؛ بحيث يفهمها كل أحد، بل ويعمل بها بلا مشقة عليه. ثم إنَّ فيها النفع العظيم في العاجل والآجل؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك إصلاح الفرد في نفسه، وإفشاء المحبة بين المسلم وأخيه في المجتمع، ثم إنه يجعل نظر الفرد دائمًا للآخرة لا لهذه الدنيا فحسب.

لم يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته بذكر ما حدث له مع أهل مكة، وما لاقاه منهم طيلة هذه السنين، فإن كل ذلك يحتسبه عند الله فلن يضيع! المهم الآن النظر فيما هو آتٍ، المهم الآن إصلاح الرعية؛ لأجل أن يتحملوا مسئولية الإسلام!

فانظروا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "أفشوا السلام".. أكَّدَ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأمر به؛ لأن السلام هو أعظم الأمور التي تجلب المحبة بين المسلمين، وقد جاء في الحديث الآخر الذي رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم". وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من حق المسلم على المسلم أنه إذا لقيه سلَّمَ عليه[3].

ولقد تعلَّم الصحابة ذلك حتى انتشرت بينهم المحبة والمودة حتى كان ابن عمر -رضي الله عنه- ليبادر بالبدء بالسلام فلا يسبقه أحد بالسلام[4]. بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما حسدكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين"[5]؛ يعني التأمين في الصلاة.

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنص على أن إفشاء السلام يورث بين الخلق المحبة، وإذا سادت المحبة بيننا فسوف نتعاون مع بعضنا البعض في الخير، ويقبل المرء من أخيه النصيحة، ومن ثَمَّ ينصلح حال المجتمع أجمع.

وأنت لو قرأت فقه السلام في كتب الحديث وما ذكره العلماء من الآداب النبوية في السلام لقلت: أين هذا من واقع المسلمين اليوم؟!! والله المستعان.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أطعموا الطعام".. وهذا من جملة مكارم الأخلاق التي تُشعر الفقراء بأن الأغنياء لم ينسوهم بل يسارعوا بتقديم الطعام لهم، فيرى الفقير كم يبذل الغني من مالٍ لإطعامه، فلا يحقد الفقير على الغني، ولا يغتر الغني بماله ويشكر نعمة الله عليه؛ فتطيب نفوس الجميع، ويصفو المجتمع من التحاسد والأحقاد.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: "وصلُّوا والناس نيام".. وهنا إصلاح للفرد في نفسه، فإن المسلم إذا اعتاد على القيام بالليل ولو باليسير يتغير حاله كثيرًا، ويشعر بحلاوة الإيمان حقًّا، خاصة وهو يناجي ربه بالليل تلاوةً ودعاءً، وقد قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل".

وهكذا.. إذا فعل المسلمون هذه الأمور سينصلح كل فرد في نفسه، ومن ثَمَّ ينصلح الجميع، فينصلح المجتمع المسلم، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وأخيرًا يربط النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أصحابه بالآخرة، فيجيب عن سؤال مقدَّر -ماذا لو فعلنا ذلك؟- الجواب: "تدخلون الجنة بسلام".

ولعل أكبر الدروس التي نستفيدها من هذا الحديث أن بناء الدولة الإسلامية لا يحتاج لشعارات براقة ولا لمصطلحات معقدة لا يفهمها الناس، يطلقها البعض ليقال: هو عالم!! وإنما تُبنى الدولة الإسلامية بالصدق مع الله أولاً، وإحسان العمل الديني والدنيوي، والأخذ بأسباب الفلاح والنصر في الدنيا والآخرة.

فليصلح كل واحد منا نفسه، ويتعاون مع غيره في البر والتقوى لإصلاح المجتمع، ونيته في ذلك التمكين للإسلام؛ لعل الله برحمته ييسر لنا ذلك. فإن تحقق ما نريد فبها ونعمت، وإن لم يتحقق لاقينا الله ونحن نسعى في ذلك.

كيف تهيئ أبناءك لاستقبال لرمضان؟

أيام قلائل، وتهل علينا نسائم شهر رمضان، شهر الخيرات والبركات والرحمات، ذلك الشهر الذي ينشغل فريق منا بالاستعداد له بشراء ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وفريق آخر ينشغل بالاستعداد له بالإكثار من الدعاء والصيام وتلاوة القرآن.. إلخ.

وفي ظل هذا الاستعدادت والانشغالات يغفل كثير منا عن الاهتمام بتهيئة أبنائه لاستقبال هذا الشهر الكريم، وبعضنا قد يشغله ذلك لكن لا تسعفه الوسائل، وهذا ما نحاول أن نفصله في هذا الموضوع، من خلال ذكر بعض الأفكار والوسائل التي تعين الوالدين على إثارة الأشواق لدى أبنائهم لشهر رمضان الكريم.

حوار مشوق

1- الحديث مع الأبناء عن شهر رمضان وما فيه من خيرات وفضائل، كمغفرة الذنوب، والعتق من النار، وفضل ليلة القدر، وغير ذلك من الفضائل، وليكن ذلك بأسلوب لطيف وبسيط ومشوق يتناسب مع أعمارهم وإدراكهم.

2- قص بعض القصص أو قراءتها معهم عن أحداث متعلقة أو وقعت في شهر رمضان.

3- حديث الوالدين لأبنائهما عن ذكرياتهما الجميلة والمواقف اللطيفة مع هذا الشهر الكريم، وماذا كانوا يفعلون فيه وهم صغار.

تشجيع ومشاركة

4- تشجيع الأبناء والاشتراك معهم في شراء مستلزمات زينة رمضان وصناعتها، أو بشراء زينة جاهزة والاشتراك معهم في تعليقها، مع الحرص على جعل الدور الأساسي في ذلك لهم.

5- شراء فوانيس رمضان الجديدة للأبناء، أو إصلاح القديم منها إذا لم يتيسر شراء الجديد، فذلك يشعرهم بالبهجة والسعادة لقدوم رمضان.

6- صناعة لوحة مع الأبناء يعلق عليها عدد الأيام الباقية على قدوم رمضان، ويترك لهم نزع ورقة منها كل يوم، فتقل الأيام الباقة لقدوم الشهر حتى نصل إلى أول يوم من رمضان، فذلك يثير الشوق فيهم ويجعلهم في حالة انتظار وتلهف للشهر الكريم.

احتفاء واستعداد

7- الحرص على عقد احتفالية أسرية قبل رمضان بيوم أو يومين ابتهاجا بهلوله، ويمكن تجميع أبناء العائلة في هذه الاحتفالية.

8- شراء بعض الهدايا البسيطة (فوانيس صغيرة، كتيبات، بنبوني.. إلخ) وتشجيع الأبناء على توزيعها على الجيران والأصدقاء بمناسبة هلول رمضان.

9- عقد اجتماعا أسريا للحديث عن وضع برنامج لهذا الشهر، من حيث الواجبات والحقوق واستثمار الوقت والأنشطة الإيمانية مثل: الصيام والصلاة وأوجه الخير العملية كالصدقة والذكر ومساعدة الآخرين وجلسات القرآن ومراجعته، مع الحرص على الاستماع لآراء الأبناء حول هذا البرنامج وكيف يمكن تطبيقه، والاتفاق مع كل منهم على ماذا سيقوم به خلال الشهر بما يناسب عمره وقدراته.

10- الحديث معهم حول استجابة الدعاء للصائم، ثم نطلب منهم أن يجهز كل منهم قائمة بالدعوات التي يريدها من الله تعالى، وأن يخصص لكل يوم دعوة.

11- وضع عددا من المحفزات والجوائز لمن يلتزم بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه حتى نهاية الشهر.

12- أن يكون الوالدان قدوة لأبنائهم في الاستعداد الروحي والإيماني لشهر رمضان، فذلك يدفعهم لتقليدهما ويشعرهم بقيمة هذا الشهر الكريم.

عندما تحلو المشاكل الزوجية قبيل رمضان

لصديقتي موسم سنوي لـ" خناقة" زوجية كبرى، يشتد فيها غضبها وتبدي استعدادًا لحرق الأخضر واليابس، تصعب تهدئتها، وغالبًا ما تترك البيت مغضبة لعدة أيام..

المؤسف أن موسم اضطرابها واضطراب أسرتها واشتعال الخلاف الزوجي يتزامن مع اقتراب شهر رمضان الكريم.. مما يضيع عليها فرص الاستعداد المادي والمعنوي، وتهيئة بيتها وأبنائها لاستقبال أيام وليالي غالية انتظرتها طوال العام.

وفي خطوة احترازية اتصلت بصديقتي قبل أيام لأطمئن على أن نهاية شعبان تمر بسلام هذا العام، فضحكت لسؤالي وأخبرتني أنها استفادت من معاناتها السابقة، وقررت ألا تخسر رمضان هذا العام مهما يكن.

وقالت: أدركت أن شيطاني يستعد لي قبل رمضان بإثارة مشكلات بيني وبين زوجي، حتى أخسر أغلب الشهر في حريق الأعصاب، وكثرة التفكير والهموم، والمشاحنات والغيبة، وتشتت القلب وضعف الخشوع.. وعندما أعود إلى بيتي وتهدأ المشكلات بيننا بعد أن يذهب كل الشهر أو جلُّه أكتشف أن الأمر ما كان يستحق كل هذه الضجة.. وأن بعض الصبر والتزكي أو حتى التأجيل كان كفيلًا بأن تمر الأيام بسلام وبهجة على أسرتي.

رمضان ميدان العفو

وكما نستعد لرمضان بتجهيز احتياجات المنزل وترتيبه، وتعليق الزينات، فالأهم هو إعداد القلب والروح لاستقبال النفحات الغالية.. والسعادة والفرح بفضل الله، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. يونس- 58.

وإعداد القلب لاستقبال رمضان، وتوجيهه إلى التفكر والذكر والخشوع يحتاج إلى تخليته أولًا من الهموم الصغيرة التي تشيع فيه الفوضى، وكما قال الرافعي – رحمه الله-: (إن الخطأ الأكبر أن تنظم الحياة من حولك وتترك الفوضى في قلبك).

ومن أهم مصادر الفوضى والظلام في القلب كثرة الخلافات والمشاحنات مع الناس، فلن يعرف قلبك السلام إلا بإعلان العفو والمسامحة، والابتعاد عن أسباب البغضاء والتنافر، وأهمها: التنافس على الدنيا، وسوء الظن، وكثرة الخلطة.

املئي قلبك سكينة وراحة قبل رمضان بإصلاح علاقاتك بمن حولك، وأولهم زوجك، فلا تنساقي مع مقدمات الخلافات، ولا تقفي طويلًا عندها، فأنتِ مقبلة على شهر الدعاء فأوكلي أمورك إلى الله، وألقي همومك على بابه، وسليه أن يصلح ما بينك وبين زوجك، ويؤلف بينكما.. بدلًا من أن تضيعي هذه الفرصة الثمينة.

وتذكري أن هذا الرجل الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة، لم يكن كثير الصلاة ولا الصيام وإنما "كان لا يبيت وفي قلبه غل ولا حسد على أحدٍ من المسلمين". (الحديث رواه الإمام أحمد بسند على شرط الشيخين).

ولأن رمضان هو شهر المغفرة، ودعاء ليلة القدر هو :" اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"، فأفضل ما تستعدين به لإجابة دعائك هو أن تسامحي وتعفي وتنقي قلبك من الغل والغضب، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. النور- 22.

واجعلي شعارك قبيل رمضان، هو ما قاله أحد السلف: "أفضل الأعمال سلامة الصدور و سخاوة النفوس و النصح للأمة".. وستشعرين بنشاط إلى العبادة، ولذة في الصلاة والذكر، وقد تخففتِ من أحمال ثقيلة لطالما جذبت القلب إلى سفول الدنيا ورهقها.

عندما تبقى المرأة في زواج فاشل

هل تشعرين أن حياتك الزوجية ليست كما رسمتيها في خيالك؟ هل تجدين أنك تواصلين الحياة الزوجية دون رغبة حقيقية تملأ قلبك في استمرار هذه العلاقة.

تعرفي على الأسباب الحقيقية التي قد تدفعك كامرأة للبقاء في علاقة فاشلة، فربما دفعك ذلك لمحاولة تصحيح الأمر بعلاج الأسباب التي تسببت في تفسخ رباطك الروحي والوجداني مع زوجك، أو اللجوء إلى الانفصال والبحث عن زواج جديد يفتح الأمل لحياة أجمل وأكثر سعادة.

فيما يلي الأسباب التي تدفع المرأة للاستمرار في زواج فاشل:

1- الخوف:

عندما تعتاد المرأة على وجود رجل في حياتها يكون بمثابة مصدر الحماية والأمان لها، والسند لها في مشكلاتها، فإن قرار الانفصال يكون صعبا جدا، لأنها تدرك أن غياب زوجها عنها يعني غياب عنصر الأمان من حياتها.

2- الراحة:

المرأة قد لا تكون مرتاحة عاطفيا أو نفسيا، لكنها تشعر بالراحة في ظل استقرار زواجها، أو لأنها تخشى التغيير.

المرأة قد تشعر أحيانا أن استمرارها في العلاقة أفضل من عودتها وحيدة مرة أخرى، فهي تظن أن زواج فاتر ورتيب أفضل من طلاق صاخب مرهق يقهرها ويكسر قلبها.

وترتبط بذلك أيضا فكرة الاتكالية، فبعض النساء اعتدن على أن يكون الزوج هو العائل والممول والمتصرف الأوحد في شئون البيت، واعتبرن ذلك بمثابة نوع من الراحة لهن، وبالتالي لا تريد المرأة من هذا النوع من النساء التخلي عن الرجل الذي يدللها من هذه الناحية ،حتى وإن كان يجرحها ويظلمها من جوانب أخرى.

3- انكار الفشل:

عندما تستثمر المرأة وقتها ومشاعرها في زواج تمضي فيه عدة سنوات، فإنها قد ترفض الطلاق خوفا من الاعتراف بالفشل. فهي تخشى أن تتلقى عبارات اللوم والعتاب من أفراد أسرتها أو صديقاتها، أو تسمع كلمات الاتهامات بأنها كانت تعلم أن هذا الزواج لن يكون ناجحا ولكنها أصرت على إتمامه وما إلى ذلك من الكلمات القاسية التي قد لا تقوى المرأة على احتمالها، فيكون الأسهل عليها الاستمرار في العلاقة.

4- الحرج:

الشعور بالحرج يأتي دائما ملازما للإحساس بالفشل، خاصة اذا كانت المرأة قد استثمرت الكثير من عواطفها ووقتها في هذه العلاقة، فهي تحاول أن تخفي فشلها وتعاستها عن الجميع حتى لا ترى في عيونهم نظرات الشفقة أو الشماتة أو حتى العتاب.

5- عدم الرغبة في مواجهة المجهول:

المرأة عندما تستثمر طاقتها في علاقة، وتتخيل مستقبلها كله من خلال هذه العلاقة، فإنها تخشى كثيرا أن تضطر للبدء من جديد، ومواجهة المجهول مرة أخرى، والدخول في مغامرة جديدة قد تأتي بنفس النتيجة إن لم تكن أكثر فشلا.

فالمرأة من أجل انجاح علاقتها قد تتغير كثيرا، تغير في شكلها وسلوكها وأفكارها وتصرفاتها حتى تتكيف مع شخصية زوجها، للدرجة التي تنسى فيها كيف كانت تتصرف قبل هذه العلاقة، وبالتالي فإن أكثر ما يقلقها أن تخرجها من دائرة المألوف التي أحاطت نفسها بها، فهي تخشى التجربة وتخشى البحث عن ذاتها التي انصهرت داخل بيت زوجها.

6- الحب:

المرأة قد لا تقوى أبدا على انهاء العلاقة مهما كانت فاشلة ومرهقة ومؤلمة، فقط لأنها تحب زوجها على الرغم من كل شئ.

فالمرأة قد تقبل الرجل بكل عيوبه وتوافق عليه لأنها تحبه، وبالتالي لن تقوى أبدا على طلب الطلاق، فحبها قد يجعلها تتغاضى عن تصرفاتك السيئة معها.

7- ضغط العائلة:

أحيانا تكون أسرة الزوجة على علم بتصرفات زوجها السيئة، لكنها تجبرها على الاستمرار معه لأنها ترفض فكرة الطلاق، ولأنها لا تريد أن تصبح الزوجة امرأة مطلقة وحيدة بلا عائل أو سند.

8- الاولاد:

الكثير من النساء اللاتي يعانين من علاقة سيئة لا يسمحن لأنفسهن بالتفكير أصلا في الطلاق خوفا على مستقبل أبنائهن.

ابتكري في علاج الخلافات الزوجية

كما تتجدد مشكلات الحياة الزوجية وتتنوع المصادر التي يمكن أن تنبع منها هذه الأزمات، لابد أن يتحلى الزوجان بالقدرة على الإبداع والابتكار في التعامل مع هذه المشكلات والأزمات التي تعترض طريق علاقتهما، لأن هذه هي طبيعة الحياة، كلما كان الإنسان قادرا على التجديد والابتكار في آليات المواجهة كلما كان أقدر على العبور وتجاوز المصاعب، وعلى العكس من ذلك كلما اتسم الإنسان بالجمود وعدم القدرة على الابتكار كلما داهمته نوعيات جديدة مختلفة من الأزمات والمشكلات لا قبل له بها.

والزوجة الناجحة انطلاقا من هذه الحقيقة من الضروري أن تفكر كل فترة في تجديد الأساليب التي تنتهجها في التعامل مع المشكلات والأزمات التي تعصف بحياتها الزوجية، والتي يمكن أن تبدأ بأمور عابرة بسيطة لا تستحق الاهتمام، وتكبر بمرور الوقت بسبب عدم القدرة على التصدي لها بالأساليب المبتكرة والمتجددة.

فيما يلي مجموعة من النصائح والأفكار التي يمكن أن تتخذها الزوجة بمثابة خريطة جديدة تستعين بها في التعامل مع المشكلات والأزمات التي يمكن أن تطرأ على علاقتها مع زوجها.

أولاً: مناقشة المشكلة على انفراد وتجنب وجود أي شخص سواء الأطفال أو غيرهم.

لأن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم الأزمات الزوجية هو تدخل الأطراف الخارجية، وكلما استطاعت الزوجة أن تقنع زوجها بضرورة ألا يسمحا لطرف ثالث بحضور مناقشة المشكلة المتفجرة بينهما كلما ساتعد ذلك في التوصل إلى حلول فعالة.

ثانياً: أن تحاولي قدر الإمكان الحفاظ على هدوئك قبل أن تناقشي الطرف الآخر.

الزوج بطبيعته يريد أن يشعر بأن زوجته حتى في وقت الخلاف والصادمة تقر له بكل احترام ممكن وتخفض صوتها في الحديث معه وتتعامل بقدر كبير من الأدب والتهذيب.

ثالثاً: التأكد من دقة المعلومات التي تستندين عليها في نقاشك

الحيادية والموضوعية من أهم الوسائل التي تساعد في إنهاء الأزمة الزوجية، وبالتالي يجب عليك كزوجة ألا تميلي إلى الانتصار في الحوار لأن هذه الرغبة في الانتصار والإفحام ستضطرك إلى الاعتماد على معلومات مغلوطة.

رابعاً: الابتعاد عن توسيع رقعة الخلاف بذكر الخلافات القديمة.

لن يفيدك عند مناقشة مشكلة معينة مع زوجك تهدد حياتكما القادمة أن تلجأي إلى تعديد الجوانب السلبية في شريك حياتك، وبدلاً من ذلك اعملي على التركيز على موضوع الخلاف فقط.

خامساً: التركيز على سلوك معين والبعد عن التعميم.

يساعدك هذا المبدأ على كسب تعاطف زوجك أو على الأقل قدرته على قبول وجهة نظرك، فكلما استطعتي أن تحصري حديثك على مشكلة معينة وقع فيها شريك حياتك بدون التعميم كلما كان أكثر تقبلاً لوجهة نظرك.

سادساً: فتح باب النقاش حول الموضوع بعد حدوث المشكلة مباشرة.

لأن ترك الوقت يمر يمكن أن يزيد من خطورة المشكلة التي تهدد الحياة الزوجية لكن يشترط مع هذا الأمر ألا تكوني منفعلة أو غاضبة في المناقشة على الأقل حتى تستطيعي أن تحتوي مشاعر الغضب عند زوجك.

انسني كزوجة.. فأنا صائمة !!

يمكنك أن تجعلي شهر رمضان هو الشهر الذي تحسنين فيه مستوى علاقتك مع زوجك وأبنائك، فرغم أن هذا الشهر يأتي في أجواء حارة وقد تكون الأعصاب مشدودة والحالة النفسية متعبة، ولا يستطيع أحد أن يتحمل أحد، إلا أنك يجب أن تكوني قادرة على احتواء الجميع والارتقاء بمستوى التعاملات في المنزل حتى لا تضيع الحسنات سدى والجميع في أمس الحاجة إلى تحصيلها.

في البداية لابد أن تبذلي قصارى جهدك في رمضان حتى تكوني أكثر لطفا مع زوجك، وعليك في الوقت نفسه أن تشجعيه بلطف وبذكاء على أن يكون أكثر حنانا عليك وعلى أبنائكما، ولن يتحقق ذلك إلا بأن تبدأي بمكافأته معنويًّا وحسيًّا على أي تقدم يفعله مهما كان بسيطًا، مع الحرص في الوقت نفسه على الابتعاد عن التشنجات والصراخ ولغة الأوامر، والتقرب إلى الله بالتودد إلى الزوج والتحبب إليه.

لا تتصوري أن شهر رمضان يجعل مجال اكتساب الحسنات بالنسبة لك كامرأة مسلمة هو الصيام والصلاة وقراةء القرآن فقط ونسيان الزوج، بل إن عدم إرضاء الزوج في شهر رمضان كفيل وحده بأن يطيح بكل صلاة القيام والتهد الذي تتصورين أنه يوصلك إلى باب الجنة فطاعة زوجك وإرضاؤه يظلان الباب الرئيس للجنة بالنسبة إليك حتى في شهر رمضان.

وتذكري أن هذا التودد للزوج هو من صفات الحور العين وهن نساء الجنة فلتحاولي التشبه بهن بالقول وباللمسة الحانية وبحسن المظهر، وتتجاهل أي استجابة قد تكون غير منطقية أو مقبولة من الزوج لعدم اعتياده ذلك، ولظنه أنك كزوجة إنما تناورين بهذا اللطف لتحقيق مطلب شخصي أو ما شابه ذلك خاصة وأن احتياجات المنزل تزداد في هذا الشهر الكريم.

ولكي تنجحي في إرضاء زوجك حاولي أن تداومي على فعل ذلك الأسلوب اللطيف الحنون طوال شهر رمضان بدأب وبتدرج وستحصلين على نتيجة رائعة، مهما كان عمر العلاقة الزوجية ومهما بلغت حدة الخلافات، يمكنك أن تجعلي من هذا الشهر العظيم بداية لتفريغ تراكمات سلبية عبر السنوات.

حاولي في شهر رمضان أن تنسي القناعة التي ظللتي تحتفظين بها في داخل قلبك وهي أن زوجك لا يستحق، وحاولي بصدق أن تتناسي الرصيد الهائل من المشاحنات، بل وبعض الكراهية المكبوتة لتصرفاته وطباعه، وتذكري أن الزوجة الذكية يجب عليها أن تنأى بنفسها عن هذه الخسائر المتلاحقة، وأن تنتهز فرصة رمضان للتودد إلى الزوج بحسن مراعاة أموره في نهار رمضان والتغاضي عن هفواته وبعض الصغائر التي تصدر منه.

ابذلي قصارى جهدك في إعطاء الزوج حقوقه كاملة وعدم التعلل بالعبادة، واعملي على تحسين مستوى تجاوبك العاطفي معه في اللقاء الحميم في ليل رمضان، لأن هذا سيزيد من إمكانية ترميم أوجه الصدع في علاقتكما، وإن طالت، فالواقع يشهد بأن كثيرا من الأزمات تبدأ بسبب فشل العلاقة الحميمة.

وفي رمضان تزداد قدرتك على احتساب الطاعات والأمل في وجه الله تعالى أن كل طاعة مقبولة ستقود إلى عبادة أخرى تكون مقبولة وهكذا، وانطلاقا من هذا الاحتساب اعملي على احتواء زوجك حسيًّا واستعيني بالذكاء الأنثوي الذي يدفعك إلى التصرف برقّة ونعومة والتحلي بالمظهر النظيف والجذاب ولا تتعللي بأنك في رمضان تكوني محملة بأعباء وضغوط إضافية.

تذكري أيتها الزوجة المسلمة أن شهر رمضان لا يعطيك الذريعة لكي يعلو صوتك في المنزل، ولا يقدم لك المبرر حتى يتجهم وجهك أو يترهل جسدك بسبب البدانة، أو أن يكون الزوج مضطراً أن يراك ترتدين الملابس المكررة الخالية من الألوان المشرقة والبعيدة عن التصميمات الشبابية المبهجة.